
قُرِئتْ قصيدة لاقط الفطر على مسرح شاطئ الراحة في مرحلة العشرين من برنامج أمير الشعراء الموسم 11
لاقطُ الفِطر
أنا لاقطُ الفطرِ الصغيرُ على التلالِ
ركضتُ خلفَ أيائلِ الوادي
فأخرني – عن البيتِ – الفَراشُ بمرجِ أغنيتي
فعادَ القلبُ أخضرْ
الغيمُ قبعتيْ
وغارُ النملِ جيبيْ الرحبُ
أجلسُ جانبَ الدربِ النديِ العشبِ
أخرجُ كالنجيماتِ الحصى بحذائيَ المبلولِ
والفجرُ المهالُ على السطوحِ
كأنَّما صندوقُ ألعابٍ مفرقعةٍ تفجرْ!
كيراعةٍ ذهبيةٍ
-والخيطُ حولَ أصابعيْ السمراءِ-
أتبعُ نجمةَ الدبِ الأثيرةَ
والنسيمُ يمرُّ أصهبَ
مثلَ سنجابٍ على غصنِ المساءِ يدحرجُ الكوزَ المدورْ
وطفقتُ أبحثُ في السماءِ عن الروائعِ
وهي قربَ حذائيَ المثقوبِ
في الفطرِ الذي فتحَ المظلةَ للنسيمِ
لكي تخفَّ الأرضُ أكثرْ
وأخفُّ جداً هكذا
تكفي لترفعني عن الأوحالِ زهرةُ هندباءٍ مائلٍ
ويشيلني
من ياقتيْ البيضاءِ يعسوبٌ مجوهرْ!
وأكادُ أسمعُ في البعيدِ صريرَ أقفاصٍ مذهبةٍ
فتمتلئ اللياليْ بالقطا الصفراءِ
يا للحبِ
(أندروميدا) و(دربُ التبنِ)
يلتقيانِ
في أعراسِ ضوءٍ هائلٍ
هل كلُّ هذا الحبِ لا يكفيْ لأسهرْ !
أميْ الطبيعةُ
علقتْ دلوَ الحليبِ بغصنِ ليلتِها
ولمْ تمسحْ لعابَ صغيرِها البردانِ
لكني سأدفأ
عندما يتوهجُ الدوريُ تحتَ البردِ كالمصباحِ
في الليلِ المُعطرْ
حيثُ الهلالُ الطفلُ يلمعُ
مثلَ مقبضِ جرةٍ زرقاءَ مخلوعٍ على الأعشابِ
والضوءُ الخفيفُ
فصيلُ نملٍ لامعٍ
ما بينَ زنبقةٍ وزنبقةٍ تحدَّرْ
ليْ
وثبةُ النَمرِ المخططِ بالأهلةِ في هواءِ الفجرِ
ليْ أضواءُ نيونٍ تطاردُ حدوةَ الفرسِ الكبيرةَ في الليالي
ليْ أنا
الشمسُ التي نثرتْ ضحىً أعوادَها الذهبيةَ الصفراءَ
حولَ زفافِ قُبَّرْ
وليَ الغمامةُ
كلما نضتِ القميصَ على سياجٍ
برعميْ الذهبيُّ في بنطاليَ الكتَّانِ يحمَرْ!
لم أستمعْ للمروحيةِ
وهي تحلجُ غيمةً بيضاءَ
قلبيْ
كان يصغي لليعاسبِ
وهي ترسمُ شكلَها في الماءِ
لم ألمحْ دخانَ الحربِ خلفَ السورِ
كانت قامتيْ – من زهرةِ الخشاشِ – أقصرْ
قلبيْ
هو الوعلُ الذي ثقبَ السماءَ بوثبهِ المجنونِ فوقَ التلِ
شاهدَ …
غيرَ أنَّ الغيمَ كانَ ملاءةً بيضاءَ هائلةً
وضوءُ الشمسِ بيدرْ
أيلولُ عادَ
ليسفحَ الذهبَ المسالَ على الحقولِ
الأرضُ لا تسعُ انكسارينِ : الخريفَ وادمعيْ الصفراءَ
هل تركَ الخريفُ قرونَ كلِ غزالةٍ جرداءَ؟
هل من يومها
دمعُ الطبيعةِ صارَ أصفرْ؟
وإذا السماويُّ البعيدُ
بإصبعَينِ -لطائرٍ في الأرضِ- صفَّرْ
صدحتْ مناقيرُ البيادرِ ليْ : تذكَّرْ
في حبةِ القمحِ الصغيرةِ
كانَ مجدُ الشمسِ
في دحلٍ على الأعشابِ أبيضَ
فيضُ جيبِ الغيمةِ المشقوقِ بالأغصانِ
في الفجرِ
المهالِ على السطوحِ
كأنما صندوقُ ألعابٍ مفرقعةٌ تفجَّرْ
….
محمد إدريس، شاعر عراقي