أحمد بخيتشعراء معاصرونمصر

قصيدة رام الله

أحمد بخيت

موقع معاصرون

 

قصيدة رام الله

 

خُذْ طلَّةً أخرى وهبنيَ طلةْ

كي لا أموتَ ولا أرى رامَ الله

 

قلبي كما قال المسيحُ لمريمٍ

وكما لمريمَ حَنَّ جذعُ النخلَةْ

 

فلاحُ هذي الأرضِ، عمري حنطتي

وبَذرتُ أكثرهُ، حصدتُ أقلَّهْ

 

ستون موتًا بي وبعدُ مراهقٌ

شَيِّبْ سِوايَ؛ فها دموعيَ طفلةْ

 

أنا وابن جنبيْ شاعرانِ إذا بكى

فينا الشتاء أضلَّني وأضلَّهْ

 

مطرُ المجانينِ، الصبايا، ضحكةٌ

سكرى، الدلالِ، وخصلةٌ مُبْتلّةْ

 

وسُرى بليلٍ ما، تنهُّدُ قُبلَةٍ!

من بازغٍ شَبِقِ الحنان مُدَلَّهْ

 

قَدَّ القميصَ أمام شهوةِ غيمةٍ

واختار عُريَ العاشقينَ مَظلّةْ

 

في شارع الدنيا انكسرتُ غمامةً

سمراءَ، تبتزُّ العذابَ لعلَّهْ

 

عُتباكَ يا وجعَ الخيالِ، براءتي

ظنَّتْ مراهقةَ السؤالِ أدِلّةْ

 

في القلبِ تندلعُ القصيدةُ بغتةً

ويهُبُّ نَعناعٌ، وتَلثغُ نحلةْ

 

يَقتادُ ضوءٌ ما جناحَ فراشةٍ

من غصنِ زيتونٍ وراءَ التلّةْ

 

مطرٌ على الأقصى، الدُّموع سلالمٌ

نحو السما، والله يُمدِدُ حبلَهْ

 

خُذني لأندلسِ الغيابِ، فربَّما

تعبَ الحصانُ، وتلك آخرُ صهلةْ

 

لا أحمل الزيتونَ في المنفى معي

وشراءُ زيتِ المُترفينَ مَذَلَّةْ

 

أُعْطِي الشتاتَ هُويَّتينِ وبسمةً

وليَ الدموعُ، الحزنُ يعرفُ أهلَهْ

 

رَجْعُ الكمانِ أخو المكانِ وأختُه

وأنا على مرمى الحنينِ مُوَلّهْ

 

للهِيلِ بوصلةُ الحنانِ، وتائهٌ

تَكفيهِ قَهوةُ أمِّهِ لتدُلَّهْ

 

يد أمِّهِ تطهو الطَّعام قداسةً

يدهُ بمقهى العابرين مضلَّةْ

 

هذا العشاءُ العائليُّ، مُؤجَّلٌ

دهرينِ، جوعُ الغائبين تألَّهْ

 

القلبُ غِمدُ الذكرياتِ، مَنِ الذي

أفضى لسيفٍ في الضلوعِ وسَلّهْ؟!

 

كنْ أنتَ، صوتُ الأمَّهاتِ مُمزّقًا

بالدَّمعِ، أشرَفُ مِن نشيدِ الدولةْ

 

وقميصُ أرملةِ الشجاعِ مُخضَّبًا

بالشوقِ يُرعِبُ رايةً مُحتلَّةْ

 

يمامة بيضا .. ومنين أجيبها

طارت يا نينة .. عند صاحبها

 

ضوءٌ على كتفِ الملاكِ ودمعةٌ

وبلا مدرعةٍ وقائدِ حملَةْ

 

لم ينتصر كذبًا، ولم يُهزَمْ، ولم

يفطَمْ على البارودِ طفلٌ قَبلَهْ

 

 

لدماءِ طفلٍ في شوارع غزَّةٍ

أَقِمِ الصلاةَ.. فكلُّ طفلٍ قِبلةْ

 

لك يا بن حزنِ السنديانِ، ويا فتى

تلدُ الغيومُ قصيدةً لتُظلَّهْ

 

لك مغمضًا هدبَ الرُّخامِ ومغمدًا

سيف الكلام، أغبتَ كي أستلَّهْ

 

بالأمسِ، حرَّمتُ الرَّثاء على فمي

واليوم يُتمي منك فيه أحلَّهْ

 

كُنّا نحبُّك قاسيًا وتحبُّنا

جرحى يُضمِّدنا الحنانُ بجُملةْ

 

نحن اقترحنا الأبجديةَ، بلسمًا

فلِمَ انذبحتَ أمامَ حرفِ العلةْ؟

 

نَمْ في سريرِ الشعرِ نومَ فَراشةٍ

قاسٍ هواك، ولو رماكَ بقُبلةْ

 

سيُحِبُّنا بعد السَّلامِ عَدوُّنا

برصاصَتين ووردَتين فقُلْ لَهْ:

أنتَ ابنُ عَمِّ الآخرينَ وربَّما

كنتَ ابنَ عمي قبلَ ألفِ جِبِلّةْ

 

ولربَّما بعدَ السفينةِ، لم يكن

نوحٌ أبًا يَعْرَى ويَلعنُ نسلَهْ

 

أَأحبَّ إبراهيمُ مصرَ؟ وهل بكى

قمرَ العراقِ؟ وهل رأى رامَ الله؟

 

أشكا أمامَ الله في صحرائهِ

وبكاء أسماعيل يوجع ظلَّه

 

إسحاق، لم يكرهْ سماءَ شقيقهِ

نورانِ، كل أخٍ يُطبِّبُ عِلَّةْ

 

من أنتَ من يعقوبَ؟ كيف كَذبْتَهُ

وصَدَقتَ ذئباً فيكَ يَغدرُ نَجْلهْ؟

 

كيف انتزعتَ، قميصَ حبِّكَ عن دمي

في جبِّ يوسفَ، والقميصُ الرحلةْ؟

 

هل بعتَهُ في الريحِ ذاتَ خيانةٍ؟

وهلِ اكتفيت من الجمالِ بعُمْلةْ؟

 

لم تُعطني موسى الذي أحببتُهُ

في أقدس الوديان يخلع نعلهْ

 

وغصبتني داوود، وهو دمي دمي

وفم السماءِ ولا أغاصَبُ مثلَهْ

 

لي من سليمانَ الحكيمِ مروءةٌ

في قوةٍ ليستْ تُسيءُ لنملَةْ

 

يمشي إلى قلبي المسيح كما مشى

فوق المياه وداعة مخضلةْ

 

ومحمّدٌ كلٌّ، وحبٌّ كلُّهُ

فإذا كرهتَ خسِرتَ حبَّك كلَّهْ

 

لا تبنِ حائطك الظنينَ، فربَّما

كانَ انتحارُ الآدميةِ عزلةْ

 

رملٌ على الرمل، الحصون وخائفٌ

من حيث تأتي الريح، تأخذُ رمْلَهْ

 

 

الخوفُ يابنَ الخوفِ لحنٌ ناقصٌ

في الضوءِ لونُ قصيدةٍ مختلّةْ

 

 

أقوى انتصاراتِ الحديدِ هزيمةٌ

والبندقيّةُ مومسٌ مُنحلّةْ

 

أنا ضدُّ أسلافِ الرَّمادِ، فرُبَّما

وصلُوا بغفلتِهم لحكمةِ غفلَةْ

 

لا باخعٌ نفسي على آثارِهم

فيما أبو جهلٍ يُعاقِرُ جهلَهْ

 

أرمي الدماءَ على الدماءِ كأنني

أرمي مناديل السعال لسلَّةْ

 

وأحبُّ أوهامي، وأسأل تائهًا

هذي الحياةُ شريفةٌ أم نذلةْ؟

 

إذهبْ لخوفكَ فيك وحدَك عاريًا

مِنْ أيِّما كِبْرٍ وأيَّةِ ذِلّةْ

 

يمضي الرمادُ إلى الرمادِ ودائمًا

قمرٌ يُضيءُ، ونحنُ بِضعُ أهلَّةْ

 

فاسمعْ عدوَّك فيكَ، واسمعْ آدمًا

لترى، تريدُ عناقَهُ أمْ قتلَهْ؟

 

أحمد بخيت، شاعر مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى